خطبة بعنوان : “أمانة الصانع والتاجر”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 27 من جمادي الأولى 1438هـ، الموافق 24 فبراير 2017م
خطبة بعنوان : “أمانة الصانع والتاجر”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 27 من جمادي الأولى 1438هـ، الموافق 24 فبراير 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله الغني الحميد ، الواسع الكرم ذي الخير المديد ، يسأله من في السماوات والأرض وقد تكفل بشؤون العبيد ، فسبحانه من إله كريم ، وسع كل شيء رحمة وعلما ، وتبارك من أولى عباده عفواً ومغفرة وحلماً. ًوأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، في جميع النعوت والصفات..وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل وخير المخلوقات ،القائل :”إن التجار هم الفجار قيل:” ولما يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع “قال :”بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون فيأثمون”(صحيح الجامع ).وورد :” ويل للتاجر من بلي والله وويل للصانع من غد وبعد غد”اللهم صل وسلم ، وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرامات .
أما بعد:فيقول الله تعالي:”إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”(النساء/ 58).
أخوة الإيمان ” يُخبرُ تعالى أنَّه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، في حديث الحسن عن سمرة أنَّ رسول الله *صلي الله عليه وسلم قال: “أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تَخُن مَن خانك” ( أحمد وأهل السنن ).
فالأمانة مشمولها واسع ومدلولها عظيم ، فهي تشمل كل ما أوجبه الله على عباده، فالصلاة أمانة عندك أيها المسلم، مطلوب أن تؤديها في وقتها إن لم يكن لك عذر وبشروطها وأركانها، والزكاة أمانة مطلوب منك أن تؤديها في وقتها كاملة غير منقوصة إذا توفرت شروطها، والصيام أمانة بينك وبين الله إذا كنت قادرا، والحج أمانة إذا كنت مستطيعا له، والطهارة للصلاة وغيرها أمانة، والودائع والعواري التي عندك للناس أمانة، والسر الذي بينك وبين أخيك أمانة، والأعمال التي تتولاها من شؤون المسلمين أمانة، فالسلطان يتحمل أمانة، والقاضي ومن في حكمه يتحمل أمانة، والمدرس مؤتمن على عقول التلاميذ، مؤتمن على أداء الرسالة الشريفة التي تعلقت به وشرفه لله بها، والتاجر في متجره يتحمل أمانة الصدق في البيع والشراء وعدم الغش والخداع وتجنب المكاسب المحرمة، والموظف يتحمل أمانة في صرف وقته فيما ينفع الناس ولا يؤجل عمل اليوم إلى غد وأن يعامل الناس معاملة حسنة، والرجل في بيته يتحمل أمانة، وكل سيسأل عن أمانته، فيثاب إن حفظها، ويعذب إن ضيعها. فهي تشمل كل شيء فالكلمة أمانة والسر أمانة والوضوء أمانة والصلاة أمانة والوزن أمانة والكيل أمانة والصنعة أمانة وكل شيء في هذا الوجود أمانة جاء رجل من أهل العالية فقال: يا رسول الله أخبرني بأشد شيء في هذا الدين وألينه، فقال ألينه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأشده يا أخا العالية الأمانة إنه لا دين لمن لا أمانة له، ولا صلاة له ولا زكاة له. يا أخا العالية إنه من أصاب مالاً من حرام فلبس منه جلباباً يعني قميصاً لم تقبل صلاته حتى ينحي ذلك الجلباب عنه، إن الله عز وجل أكرم وأجل يا أخا العالية من أن يقبل عمل رجل أو صلاته وعليه جلباب من حرام(البزار).
فهو يَعمُّ جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عزَّ وجلَّ على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مِمَّا هو مؤتَمَن عليه لا يطَّلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع وغير ذلك مِمَّا يأتَمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله عزَّ وجلَّ بأدائها، فمَن لَم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة “.
وقال تعالى:”إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا . لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا”(الأحزاب/ 72,73).
وقال تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ “[المؤمنون : 8]
وعن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” أوَّل ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخره الصلاة “( صحيح ).
وعن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلي الله عليه وسلم قال:” آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان “(البخاري ومسلم).
و عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تَخُن من خانك “( أبو داود والترمذي).
عباد الله: إن من الأمور المهمة التي شرعها الله بين الخلق وجعلها من الصفات المحمودة بينهم وعليها ترتكز حياة الأمة أداءَ الأمانة؛ إذ إن الأمانة هي الرابطة بين الناس في أداء الحقوق والواجبات، ولا فرق بين حاكم وموظف وصانع وتاجر وزارع، ولا بين غني وفقير وكبير وصغير، فهي شرف الغني وفخر الفقير وواجب الموظف ورأس مال التاجر وسبب شهرة الصانع وسر نجاح العامل والزارع ومفتاح كل تقدم بإذن الله ومصدر كل سعادة ونجاح بفضل الله، وإن مجتمعًا يفقد هذه الصفة الشريفة لهو من أفسد المجتمعات، ويكون ذلك في آخر الزمان؛ إذ إن الأمانة موجودة في الناس عن طريق الفطرة والوحي، ثم تقبض منهم لسوء أفعالهم، قال الله تعالى:” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ “(الرعد: 11).
فتزول الأمانة من القلوب شيئًا فشيئًا، فإذا زال أول جزء منها زال نوره وخلفه ظلمة، ثم إذا زال الجزء الثاني خلفه ظلمة أشد من الظلمة التي قبلها، ويصبح الأمين بعد ذلك غريبا في الناس، حتى يمدح من لا خير فيه ولا إيمان وكلَّما انتُقصت الأمانة نقصت شعبُ الإيمان لما روى مسلم من حديث حذيفة – رضي الله عنه – قال: حدثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن الأمانةَ نزلت في جذر قلوبِ الرجال أي: في وسطها، ثم نزلَ القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنَّة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال:”ينام الرجل النومةَ، فتُقبَض الأمانة من قلبه، فيظلّ أثرها مثل الوَكت، ثم ينام الرجل، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك، فنفط فتراه منتبرًا وليس فيه شيء”، ثم أخذَ حصاةً فدحرجها على رجله، “فيصبح الناس يتبايَعون، لا يكاد أحدٌ يؤدِّي الأمانة، حتى يقال: إنَّ في بني فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرَّجل: ما أظرفَه ما أعقله، وما في قلبه مثقالُ حبة من خردل من إيمان”
أيها الناس:
اعلموا إن الأمانة من الأمور المهمة للمجتمع، وبدونها يعيش المجتمع في بلاء عظيم، والأمة التي لا أمانة لها هي التي تنتشر فيها الرشوة، وينتشر فيها الغش والخداع والتحايل على الحق وتضييع الواجبات التي أنيطت بأفرادها، فما من إنسان منا إلا وعمله أمانة لله في عنقه، فالشعب أمانة في يد ولاة الأمور، والدين أمانة في يد العلماء وطلبة العلم، والعدل أمانة في يد القضاة، والحق أمانة في يد القائمين عليه، والصدق أمانة في يد الشهود، والمرضى أمانة في يد الأطباء، والمصالح أمانة في يد المستخدمين، والتلميذ أمانة في يد الأستاذ، والولد أمانة في يد أبيه، والوطن أمانة في يد الجميع، وأعضاء الإنسان أمانة لديه، فاللسان أمانة فاحفظه من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بعباد الله، والعين أمانة فاصرفها عن النظر إلى الحرام وتوجه بها إلى النظر إلى المباح الحلال، والأذن أمانة فجنبها استماع المحرمات واصرفها إلى استماع ما يعود عليك بالنفع والفائدة في الدنيا والآخرة، والرجل أمانة واليد أمانة فلا تبطش إلا المباحات ولا تمش إلا إلى الخيرات، وأموالكم أمانة لديكم فلا تصرفوها إلا فيما يرضي ربكم سبحانه وتعالى، من قبل أن يأتي يوم تسأل عن هذه الأمانة: ماذا عملت بها؟ فلا تستطيع الإجابة، فقد ثبت في الحديث أن النبي قال: “لن تزول قدما عبد يوم القيام حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين أتى به وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به”(البيهقي).
*أخوة الإيمان والإسلام ومن الأمانة :
الأمانة في الصناعة :
الإسلام دين أنزله الله على النبي محمد صلي الله عليه وسلم ، وجعله آخر الأديان ، وبالقرآن الكريم ودعوته للحياة الفاضلة وتبيانه لسبل المعيشة الراشدة، حثنا على القيام بالعبادة بمفهومها الواسع الشامل للمهن والوظائف والأعمال المختلفة التي عليها قوام الإنسان ومعيشته. ونظرة على آيات القرآن الكريم وعلى سنة النبي العظيم محمد صلي الله عليه وسلم القولية والفعلية وعلى تاريخ المسلمين نلحظ العناية بالصناعة والصناعات المختلفة وبدءاً من أعظم مراتب البشر الأنبياء نلحظ أن سيدنا نوح كان نجارا و صانع سفن {وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} وسيدنا داوود كان حدادا يصنع الدروع {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وعمل سيدنا زكريا عليه السلام في النجارة والخشب ،أخرج مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان زكريا عليه السلام نجاراً) وفي المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما: وكان إدريس خياطاً. وتحدثنا السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي محمد صلي الله عليه وسلم: “كان رسول الله يخصفُ نعله, ويخيط ثوبه, ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته” أخرجه الترمذي وأحمد وحث الإسلام على الاحتراف والعمل ورغب فيه, وصغر من شأن من يتهاون به, أو يحتقره أو يزَّهِدُ فيه, فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي قال :((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها, فيكف الله بها وجهه, خير له من أن يسأل الناس, أعطوه أو منعوه”( متفق عليه). وقد قال عمر بن الخطاب:”إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول :له حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني“.. فيتعين علي صاحب المهنة أن يحذر من خلف الوعد مثل أن يقول لصاحب الثوب :” يفرغ ثوبك بعد ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر ثم لا يفي له بذلك . وقد ورد:” ويل للصانع من غد وبعد غد وويل للتاجر من تالله وبالله ” ثم ليحذر أيضا من الأيمان فإنها ، وإن كانت صادقة فليست من شيم الناس ولا من عادتهم ، وقد وردأن السلف رضي الله عنهم كانوا يحترمون اسم الله تعالى أن يذكروه إلا على سبيل العبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالي..
الأمانة في التجارة
قد دعا الإسلام إلى التجارة وقال :”تسعة أعشار الرزق في التجارة ” ولكن العمل في التجارة مثلاً بالكذب والغش والطمع والأنانية فنجد الرسول يقول :” التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء “( الترمذي والحاكم). بأن لا يكذب في إخباره عن نوع البضاعة ونفاستها ونحوه ..
ويقول :” إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا”( الترمذي).
أما حين يفجر التاجر نجد أن الرسول يقف له بالمرصاد فيقول :”إن التجار هم الفجار قيل ولما يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع قال بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون فيأثمون”(صحيح الجامع ).
** أخوة الإيمان ومن آداب البيع والشراء والصناعة :
عدم الحلف ولو كان صادقًاً:
فمن آداب البيع والشراء ودلائل الصدق فيه عدم الإكثار من الحلف؛ بل عدم الحلف مطلقًا؛ لأن في ذلك امتهانًا لاسم الله -تعالى-، قال تعالى-:”وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ “[البقرة: 224]. ويحذر الرسول التجار من كثرة الحلف :”خاب وخسر المنفق سلعته بالحلف الكاذب “ويقول :”ويل للتاجر من بلي والله ولا والله” (الطبراني).
أن لا يروّج للسلعة بالكذب وبما ليس فيها وبالقسم بالله باطلا وبالتضليل والغش والغدر كأن يدعي كذباً أنه اشتراها بثمن معين أو دفع له ثمن معين·
عن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنه- أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف بالله لقد أعطى فيها ما لم يعطَ ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزل قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”.( آل عمران/77).
وقال صلي الله عليه وسلم : ”من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان” (البخاري)·
وقال – صلي الله عليه وسلم -: “والحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة” (متفق عليه). نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الحلف, نعم ستنفق السلعة، لكن لا بد أن تعلم علمَ يقين أن المال الذي أخذته بهذا الحلف صادقاً يدل على قلة تعظيم الله عز وجل وأسمائه وصفاته في قلبك، واستهانة منك بأن جعلت يمين الله تعالى عرضة له في البيع والشراء، وإن كنت حلفت كاذباً فقد اقتطعت به حق امرئ مسلم بغير حق، وهذا هو اليمين الغموس، وسمي غموساً؛ لأن الله تعالى يغمس صاحبه في نار جهنم!
لأجل أن تباع سلعة -لعل الله تعالى لا يقدر لها البيع قط- يخرج الإنسان من هذا الموقف بغضب الله وسخطه، الأمر لا يستحق كل هذا، فلا بد لكل مشتر وبائع من وقفة في البيع والشراء.
عاقب الله تعالى الحالف بعقوبة عظيمة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ” ثلاثة لا ينظر الله تبارك وتعالى إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب” (مسلم وأبو داود والترمذي).
وعن أبي هريرة، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:” ثلاثةٌ لا يُكلمهم الله يومَ القيامةِ، ولا ينظرُ إليهم، ولا يُزكيهم، ولهم عذابٌ أليم: رجلٌ على فضلِ ماء بالفلاةِ؛ يمنعه من ابن السبيل، ورجلٌ بايعَ رجلاً بسلعةٍ بعد العصْرِ، فحلف له بالله: لأخذَها بكذا وكذا فصدَّقَه، وهو على غير ذلك، ورجلٌ بايع إماماً لا يُبايعه إلا لِدُنيا؛ فإن أعطاهُ منها وفَى، وإن لم يُعطِه منها لم يَفِ[9] ” متفق عليه.
النهي عن الخداع والتدليس:
والخداع المحرَّم في البيع أن يُخفِي البائع شيئًا في السلعة لو أطلع عليه المشتري لم يشترها بذلك الثمن، و حينما يسعى لكسب المال يحرص على جمع المال، لكنَّ الطمع أعماه عن حقيقة؛ وهي: أنَّ المسألة ليست مسألة كَثرة ربح، بل المسألة مسألة بركة، فقد يَربَح الطماع الجشع المال الكثير لكن يتعرَّض لآفةٍ تَجتاح هذا المال، وقد يَربَح التاجر الصادق المال القليل، فيُبارِك الله في كسبه؛ فعن حكيم بن حزام – رضِي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّىَّ الله عليْه وسلَّم -: “البيِّعان بالخِيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدَقَا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتَمَا وكذَبَا، مُحِقت بركة بيعهما”( البخاري ومسلم ).
فالناس ينظرون إلى الأموال بكثرتها، والشرع ينظر إلى الأموال ببركتها، فكم من إنسان ليس له مال، لكن الله تبارك وتعالى يبارك في القليل بين يديه لتقواه، وصدقه، وحرصه على مرضاة ربه، وكم من الناس معهم الأموال الطائلة أنفقوها في الملذات والشهوات والخمور والنساء والمخدرات.. وغير ذلك؛ لأن الله تعالى نزع البركة منها؛ ولذلك روى مسلم والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما:”أن رجلاً كان يخدع في البيع والشراء، فأتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله إني أخدع إذا بايعت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:” إذا بايعت أحداً فقل: لا خلابة”(مسلم). والخلابة بمعنى الخداع أو التدليس والتمويه.
** أخوة الإيمان ومن آداب في الصناعة و التجارة
النهي عن الغش
الغشُّ آفةٌ يَطُول ضررُها الجميع، فالغشَّاش شخص همُّه تحصيل المال على حِساب غيره، فالطمع حَجَبَ عقله، فلا ينظر إلا للمَكاسِب التي حصَل عليها والتي يسعى للحصول عليها، ولا يَلتَفِت إلى ضحاياه الذين أرداهم غشُّه لا يلتَفِت إلى جنايته على المجتمع، وكيف أصبح أداةَ إفسادٍ فيه، الغشَّاشون كُثُر ومجالات الغشِّ مختلفة، كلُّ غشَّاش على حَسْبِ اهتِماماته، وعلى حسب موقعه وقدرته على الغش، والكلام في هذه الدقائق حول الغشِّ في البيع والشراء.
قال ابن حجر الهيتمي: (… فذلك أعني ما حكي من صور ذلك الغش التي يفعلها التجار،والعطَّارون، والبزَّازون، والصوَّاغون، والصَّيارفة، والحيَّاكون، وسائر أرباب البضائع، والمتاجر، والحرف، والصنائع، كله حرام شديد التحريم، موجب لصاحبه أنه فاسق غشاش، خائن يأكل أموال الناس بالباطل، ويخادع الله ورسوله وما يخادع إلا نفسه، لأن عقاب ذلك ليس إلا عليه”
وقال الغزالي: “والغش حرام في البيوع والصنائع جميعًا، ولا ينبغي أن يتهاون الصانع بعمله على وجه لو عامله به غيره لما ارتضاه لنفسه، بل ينبغي أن يحسن الصنعة، ويحكمها ثم يبيِّن عيبها إن كان فيها عيب، فبذلك يتخلص”(إحياء علوم الدين).
ويشتدُّ الإثم حينما يُنَفِّق الغشَّاش سلعته بالحلف الكاذب، بأنه اشتَراها بكذا، أو بأنَّ فلانًا سامَها بكذا… أو غير ذلك من أساليب الغشاشين؛ فعن أبي هريرة – رضِي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلَّىَّ الله عليْه وسلَّم – يقول: “الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة مَمْحَقَة للبركة”( البخاري ومسلم ).
على مَن باع أنواعًا مُتعدِّدة من الحبوب والثِّمار وغيرها، فيها الطيِّب والرديء – أن يعزلَ الطيِّب عن الرَّدِيء، فيكون المشتَرِي على بيِّنة من أمر السلعة، أمَّا إن جعَل الطيِّبَ في الأعلى والرَّدِيء أخفاه تحتَه، إمَّا لآفةٍ فيه أو لصِغَره أو غير ذلك من الأشياء التي تُزهد الناس فيه، وتقلِّل من قيمته، فجعل الرَّدِيء في الأسفل من الغشِّ المحرَّم؛ فعن أبي هريرة: أن رسول الله – صلَّىَّ الله عليْه وسلَّم – مرَّ على صبرة طعام، فأدخَل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟” ، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: “أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس، مَن غشَّ فليس مِنِّي”( مسلم )، فخابَ وخسر في الدنيا والآخرة مَن تبرَّأ منه النبيُّ، ولا يُعذَر الشخص بِحُجَّة أنَّ العمَّال قاموا بهذا، فالواجب عليه المُتابَعة، فلو فعَلُوا فعلاً يضرُّ بسلعته، ويُنقِص من قيمتها، لم يرضَ بذلك وعمل على عدم تَكرار ذلك، فكذلك الواجب عليه إذا أضرُّوا بإخوانه المسلمين.
الواجب على مَن باع سلعةً فيها عيبٌ أن يُبيِّن هذا العيب للمشتري ولا يكتمه؛ فعن عُقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يقول: “المسلم أخو المسلم؛ لا يحلُّ لمسلمٍ باعَ من أخيه بيعًا فيه عيبٌ إلا بيَّنه له”( ابن ماجه )،فإذا بيَّن العيب برأ البائع في الدنيا والآخرة، وليس للمشتري الحقُّ في ردِّ السلعة إلا إذا رضي البائع، فأقالَه بيعته، أمَّا إذا لم يُبيِّن البائع عيبَ السلعة، فللمشتري الردُّ.
* ومن الغشِّ المحرَّم حينما يأتِي شخصٌ بسلعةٍ من عقار أو غيره لا يعرف قيمتها، فيقول للسِّمسار: بعها بكذا، والسِّمسار يَعرِف أنَّ قيمتَها أكثر من ذلك، فيُحابِي السِّمسار أحدًا بالبيع، فيبيعها عليه برخصٍ أو يشتَرِيها لنفسه، أو يبيعها بأكثر من الثمن الذي حدَّده صاحبها، ويأخُذ ما زاد بحُجَّة أن صاحب السلعة حدَّد الثمن، وهذا كلُّه من الغش المحرَّم؛ فالسِّمسار وكيل لصاحب السلعة، فيجب عليه أن يبيَّن له قيمتها، وأن يبيعها بقيمتها الحقيقية، وليس بما حدَّدَه صاحبها، وهذا من النصح المفترض عليه؛ فعن تميم الداري أنَّ النبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم -قال: “الدين النصيحة”قلنا:” لِمَن”قال:”لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم”( مسلم). وما زاد يعطى مالك السلعة؛ فعن عروة البارقي أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أعطاه دينارًا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاءَه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه؛ (البخاري)، فلا يحلُّ شيءٌ من الزائد للسِّمسار إلا لو قال له صاحب السلعة: بعها بكذا، وما زاد، فهو لك فجائز، فهذا من باب الجعالة المباحة.
وكذلك من الغش المحرَّم لو وكَّله بالشراء فشرى من نفسه أو قريبه أو صديقه وحابَى ولم ينصح لموكِّله.
ومن الغش ما يفعله البعض حينما يريد أن يبيعَ سلعةً أو يصنع صنعة يجعلها تبدو للمشتري أفضل من الواقع، فينخدع المشتري، فيشتريها بأكثر من قيمتها، ثم بعد أن يحوزها يكتشف أنَّ البائع دلَّس عليه، ففي هذه الحال للمشتري خِيار الردِّ؛ لقول النبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم :”لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنم، فمَن ابتَاعَها بعدُ فإنَّه بخير النَّظَرِين بعد أن يحْتَلِبَها إن شاء أمسَك، وإن شاء ردَّها وصاعَ تمرٍ”( البخاري ومسلم). فحكَم النبي لِمَن اشتَرَى بهيمة، وقد أوهمه البائع أنَّ حليبها كثيرٌ حكم له بخيار الردِّ، وأنَّ هذا البيع لا يلزمه إلا برضاه.
و ووقف النبي عليه الصلاة والسلام من الغش موقفاً صريحاً فنهي عن بيع العينة.
وبيع العينة: هو أن تذهب إلى رجل وتقول له: أقرضني مائة جنيه، فيقول لك: ليس عندي مالاً لأقرضك، ولكن خذ هذا الحب بمائة جنيه بالتقسيط في كل شهر تدفع عشرة، فتأخذ هذه السلعة، ثم يقول لك البائع نفسه: ادفع لي هذه السلعة أو بعني إياها بثمانين حالاً؟ فتقول: نعم، خذ السلعة وأعطني ثمانين جنيهاً، فتكون قد اشتريت بالثمن العالي مؤجلاً ودفعت عين السلعة لعين البائع بثمن أقل حاضراً، هذا البيع حرام وهو حيلة للربا، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد حرم هذا البيع.
وسميت عينة؛ لأن عين السلعة يشتريها عين البائع، بثمن أقل حاضراً، وقد باعها لنفس المشتري بثمن أكثر مؤجلاً، يعني بالتقسيط.
* عن ابن عمر”أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال :” إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل اللّه أنزل اللّه بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم”.( أحمد وأبو داود) . ولفظه “إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط اللّه عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم” (صحيح).
قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر انتهى.
** وقد انتشرت صورة ربوية تعرف بالرجل المحفظة…يعنى يشتري لك فوري اللي أنت تريده…ويحصل منك قسط…وهذا ربا صريح والعياذ بالله..
* عن ابن إسحاق السبيعي عن امرأته “أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت يا أم المؤمنين أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وأني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة بئس ما اشتريت وبئس ما شريت إن جهاده مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بطل إلا أن يتوب”(الدار قطني).
** أن لا يبيع على بيع أخيه، كأن يعرض على المشتري في فترة الاختيار فسخ البيع مقابل بيعه ما هو أجود أو أرخص ليتم الاختيار الحر· قال صلى الله عليه وسلم: ”لا يبع بعضكم على بيع بعض” (مسلم) · يتراضيا على ثمن سلعة فيقول آخر أنا أبيعك مثلها بأنقص من هذا الثمن.
** وأن يبيَّن عيوب السلعة وثمنها ولا يحاول إخفاءها حتى تنتفي كل جهالة أو غموض أو غش في السلع وفي النقود، ويقدم المشتري على الشراء عن ثقة ويتجنب التخاصم· قال صلي الله عليه وسلم :”البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدق البيعان بورك لهما في بيعهما،وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما”(مسلم)·
وقال صلي الله عليه وسلم: ”من باع عيبا لم يبيّنه، لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه”( ابن ماجة)·
** أخوة الإيمان
والغش جناية محرمة:
من جناية الغشَّاشين على صحَّة أفراد مجتمعهم حينما يقومون ببيع الأطعمة التي يتضرَّر بها الناس، فيقوم المُزارِع ببيع بعض محصولاته الزراعية بعد فترة قصيرة من رشِّها بالمبيدات الزراعية، التي هي سموم تَفتِك بالحشرات وغيرها، فلا يَنتظر الوقت المحدَّد حَسْبَ ما هو مكتوب على علبة المبيد، فيبيعها قبل ذلك رغبةً في تحصيل المال، فيجني على إخوانه المسلمين، فيجعل هذا المبيد يَفتك بصحتهم ويعرضهم للأمراض، كما فتَك بالآفات التي أصابَت محصوله الزراعيَّ.
من جَناية الغشَّاشين على صحَّة أفراد مجتمعهم بيعهم مواد غذائية انتهت مدَّة صلاحيَّتها.
ومن جناية الغشَّاشين على صحَّة أفراد مجتمعهم بيعهم أطعمة مُسمَّمة مرَّت عليها مُدَّة طويلة، أو لم تُراعَ الطرق الصحيَّة في إعدادها وحفظها.
من جَناية الغشَّاشين خلط اللبن بالماء ولا يخفي علي أحد قصة بنت بائعة اللبن في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه..
** عجبًا للتاجر الغشَّاش وللصانع المحتال يسعى كل في جمع المال من الوُجُوه المُباحَة والمحرَّمة، فيَشقى في جمعه ويكسب عَداوَة الآخَرين وفقدان الثقة به، فيَعِيش منقوصَ القدر مَحلَّ ريبةٍ وشكٍّ، ثم يموت ويترك هذا المال الذي شقي به حيًّا؛ ليَشقَى به ميِّتًا يُحاسِب عليه وغيره يتنَّعم به ويترف، فغنمه لغيره وغُرْمُه عليه – نعوذ بالله من عمى البصيرة.
يقول محمد بن كعب القرظي :”إذا مات ابن آدم يصاب بمصيبتين لا يصاب بهما أحد سواه المصيبة الأولي أنه يترك ماله كله والمصيبة الثانية أنه يحاسب علي ماله كله ”
وأشد عذاب يوم القيامة هو عذاب المال فقد بين القرآن الكريم جزءً من هذا العقاب وبين إنه عذابٌ يتناسب مع عملهم الأليم،:”يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ”[التوبة:35].
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ..والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين:
أما بعد فيا جماعة الإسلام .
ومن شدة حرص الإسلام علي سلامة التجارة والصناعة من الآفات والمحرمات حتي لا يتحول البيع والرزق الحلال إلي ربا محرم . أوجب على التجار ومرتادي الأسواق تعلم أحكام البيع والشراء، فكثير من المخالفات إنما تقع عن الجهل بأحكام الشرع فيها، وقد كان الخلفاء يلزمون الناس بتعلم الأحكام المتعلقة بالبيع والشراء كشرط لدخولهم الأسواق، كما قال عمر بن الخطاب :” لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في دينه وإلا أكل الربا شاء أم أبي ”
وقد جاء الإسلام بجملة من الآداب والمنهيات ، والتي تحفظ المصلحة العامة، وتبعد الإنسان عن الوقوع في الغرر أو الغبن أو الربا من حيث لا يشعر.لو تحدثنا عنها ما كفانا وقت وقد ذكرنا يبعضها ونذكر هنا بعض المنهيات علي الجملة ومنها :
بيع الدين، رجل معه شيك بعشرة آلاف يبيعه لآخر بسبعة آلاف على أن يتصرف المشتري في هذا الشيك كيف شاء، ولا يحق له الرجوع على البائع الأول، حتى وإن كان هذا الشيك مزوراً.
وكذلك نهي عن بيع الغرر كبيع اللبن في الضرع، لا يعلم الإنسان كمية اللبن، فكيف يبيع اللبن في الضرع؟ أو يبيع الطير في الهواء؟ أو السمك في الماء؟ أو الحمل في البطن؟ كيف يبيع شيئاً مجهولاً أو معدوماً، كل هذه من البيوع المحرمة.
أخوة الإسلام وقد نهي الإسلام عن بيع ما لا يجوز بيعه :
* وقد جاءت النصوص تبين تحريم بيع وصناعة العصير ممن يتخذه خمرا وكل بيع أعان على معصية.
* ففى الحديث عن أنس “لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحامله والمحمول إليها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له”( الترمذي وابن ماجة).
ونهي أن نبيع مالا نملك:
فقد جاءت النصوص بالنهي عن بيع ما لا يملكه ليمض فيشتريه ويسلمه.
* فعن حكيم بن حزام قال “قلت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك”( صحيح الجامع).
قوله: “ما ليس عندك” أي ما ليس حاضراً عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك…. وظاهر النهي تحريم مالم يكن في ملك الإنسان ولا داخلا تحت مقدرته ….قال البغوي النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم .
* ونهي أن نستغل جهل المشترى لسعر السوق:فعن ابن عمر قال “نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد”.(البخاري والنسائي). وعن جابر “أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال :” لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض”(الجماعة إلا البخاري). ونهي أن نغرر بالتاجر الذي دخل فى التجارة حديثا: فعن ابن مسعود قال “نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع”( متفق عليه). فيه دليل على أن التلقي محرم.
ونهي عن احتكار البضاعة:
فعن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد اللّه العدوي “أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال :” لا يحتكر إلا خاطئ “. (أحمد ومسلم وأبو داود).
أخوة الإيمان والإسلام :
فهذا غيض من فيض وليكن معلوم أن هذه الصور والأسباب التى ذكرتها هى نسبة قليلة من صور كثيرة للمخالفات التي يقع فيها التجار والصناع وقد تخيرت منها ما هو منتشر وكثير الحدوث في أسواقنا ولا يظن ظان أن هذا هو بيت القصيد وحسب ,لا بل هذه أمثلة وسوق التجارة فيه الويلات والويلات.فالربويات.وحرق البضاعة.والغش التجاري.وضرب الأسعار.والكذب.والتدليس…..وغير ذلك الكثير..
ولن تقوم للمسلمين قائمة ولن يبلغوا المجد حتى يرجعوا لدينهم ويُقْبِلُوا على شريعة الإسلام ويُقيموا الدين في مرافق الحياة وينشروا العدل والإخاء، وستعترضهم مصاعب وعوائق وحتى يتغلبوا عليها لا بد لهم من الصبر والتعاون والوفاء والأمانة والصدق.
** أخي المسلم التاجر والصانع كن من الأبرار ولاتكن من الفجار…وأدخل الجنة من باب التجارة…وكن كما قال ابن عمر: “التاجر الأمين الصدوق المسلم من الشهداء يوم القيامة”.وكما قال ابن عباس بلفظ: “التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة”….اللهم لا تحجبنا عن الجنة .أمين
* وأذكر نفسي وإياكم بما جاء عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال :” لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس”.(الترمذي).
وفى ولفظ “تمام التقوى أن يتقي اللّه حتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما”.
** هذا وما توفيقي الا بالله العلى الكبير …سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .* * وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين *